الثلاثاء، 2 مارس 2010

الاديب: يحيى فضل الله(مخدة مجوك الخشبية)

الاديب: يحيى فضل الله




مخدة مجوك الخشبية



طريـــقة زي دا

اصلو ما معقول

يا تنــوم ساكت

ولا تاكل فـــول

ويصمت مجوك فترة هي اشبه بالسكتة داخل مقام موسيقي بعدها يعود مجوك الي حالة غنائه المنتشي ويرفع عقيرته بالغناء ويتراقص علي طريقته الخاصة

كلام طــــــــواري

والله امرو غريب

يا تنــــــوم بدري

ولا تركب جيـــب

عادة ما كان مجوك يمر بنا و نحن متحلقين حول عامود النور و في هذه الايام دائما ما يكون عامود النور بدون نور ، يمر مجوك عائدا من قيلولته هناك في المسح بعد سوق ام دفسو في الحارة خمستاسر ، يمر بنا مجوك وهو في طريقه الي الفرن كي يتولي مهام ورديته الليلية تلك التي يقضيها امام فوهة الفرن الملتهبة وهو يدخل او يخرج الصواني , كنا نعرف ميعاد عودته تلك و ننتظرها وعادة ما كان صوت غنائه يختلط بصوت أذان جامع الحارة الرابعة واذكر ان حمدين دخل مرة في رهان مع ازهري حول ذلك الخلط بين الصوتين ، صوت الاذان و صوت مجوك و كسب ازهري الرهان لانه راهن علي الميعاد المحدد لعودة مجوك الغنائية ، فهي عودة دائما في زمن آذان العشاء و لكنها عودة تتنوع فيها اصوات مجوك المترنمة بعدة السن فمرة يغني بلغته الدينكا ويحاول ان يغني اغنية ـ شايل المنقا ـ بعربية فيها شئ من لطافة عربي جوبا واحيانا يكتفي برقص صاخب علي طول شارع عودته وذلك حين يعود من قيلولته لا ليعمل بل لينثر نشوته في تفاصيل ليل شارع الجميعاب و خاصة مع رواد كافتريا الشرق الاوسط ويكون ذلك ذلك دائما في ايام الخميس حيث يستغرق مجوك في الاستمتاع بعطلته الاسبوعية

ولا ينسي مجوك في ذلك المساء ان يخصنا بعشرة ونسة ممتعة قبل ان ينسرب الي تفاصيل مرتبة لاحقة تخص جولاته قبل النوم .

كان مجوك ينام في الفرن بعد ان يقلب طاولة الرغيف محولا اياها الي سرير بعد ان يفرش عليها الكراتين و من ثم بطانية عليها خطوط حمراء ، هكذا كل يوم ما عدي ليلة الخميس حيث مسموح له بالنوم علي عنقريب حاج سعد الذي عادة ما كان ينام عليه اب شاخوره زميله في الوظيفة الذي يفضل ان يعمل ليلة الخميس كي يقضي ليلة الجمعة مع اسرته بالكاملين .

سوقني بعجله

نمشي كمـــبو

نســاهر الليل

كانت المخدة التي يضع عليها رأسه حين ينام ومن ثم يسند همومه عليها مخدة من خشب واضح عليه شغل اليد وهي جذع منحوت علي شكل مثلثين بدون قواعد لان القاعدة هي الارض ويربط بين المثلثين عامود خشبي مصقول وهنا علي هذا العامود يمكن لمجوك ان يسند رأسه ، وكانت المخدة من خشب براق يخلط بين البني والاصفر و لا يستطيع مجوك ان ينام الا حين يسند رأسه علي هذه المخدة التي هي اشبه بالككر وقبل ان يقلب الطاولة كان لابد لمجوك من وضع يده علي تلك المخدة اولا لذلك هي دائما ما تكون معه اينما ذهب يضعها في ركن داخل الفرن حين يعمل و احيانا يحولها الي مقعد ودائما ما يشاهد مجوك في حالة جلوسه علي مخدته امام ست النفر بائعة ام فتفت والصباح يخلط نهاياته مع بداية ظهيرة كل جمعة وكأنه يجلس علي عرش و فعلا لجلسته تلك وضع مميز من حيث انه جالس علي شاهق وفايت الناس مسافة و لمجوك طول مميز ويمشي كسهم وانه دائما ما يجلس و كأنه ينظر للناس من فوق لا علي طريقة السياسيين التكنوقراط و لكن علي طريقة مجوك .

جوبا بعيــده

نمشي كمـبو

نساهر الليل

جوبا بــلدنا

نمشي كمبو

نساهر الليل

كان مجوك يدخل منطقة نومه و هو يذهب اليها متسلحا بهذه الاهزوجة التي حرضته علي اقامة احتفالية صاخبة وراقصة لجمهور كافتريا الشرق الاوسط بشارع الجميعاب و كان ذلك في مساء مبكر طبعا يوم الخميس ، في تفاصيل حياد العصر اعلن مجوك رقصته وهو يغني

سوقني بعجله

نمشي كمبو

نساهر الليل

و كان ان فقد ذلك العصر حياده و اكتظت الكافتريا بالجمهور وقيل ان الشيخ ودتندلتي قد شطب خشافه المتبقي من تحلية وجبة الغداء و قيل ان رواد الكافتريا قد تعشوا مبكرا هذا المساء ورقص مجوك رقصته وذهب .

حمل مجوك رقصته وذهب مترنما باغنيته الي درجة الصخب وهو يحمل مخدته الخشبية متجها الي الفرن ولم نترك مجوك يذهب هكذا دون رفقة فرافقناه ولكن دون جدوي في ان يحكي لنا احدي حكاياته الغريبة وتجربته مع حركة الانانيا لانه كان هناك بعيدا حيث تخلي عن ترنمه ودخل في رقص طقسي حيث اصوات الطبول تحتشد في دواخله و كان وحده هو الذي يسمعها .

جاء مجوك الي الخرطوم بعد ان سلم سلاحه بموجب اتفاقية اديس اببا ولم تفارقه مخدته الخشبية مطلقا ، كان يسند عليها سنواته الاكثر من خمسين .

لم نستطع ان نخرجه من تلك الحالة الراقصة التي سكنته و كان يرقص وهو يجهز عنقريب الحاج سعد ـ عنقريب الخميس ـ ولم ينسي ان يضع مخدته الخشبية في اتجاه مرقده علي العنقريب وكان شعاع من القمر قد غمر وجهه وهو يسند رأسه و يذهب الي النوم و معه اغنيةدينكاوية شجية خافتة و متلاشية .

في نومه يستدعي مجوك عوالم قديمة و يخلط في احلامه بين الاماكن فهاهي الملكية جوبا تتبرج في احلامه و يخلط في الرؤي البعيدة بين لهب الفرن و لهب تلك النيران التي تمد السنتها الحمراء الي درجة الاصفرار

في ليل معطر برائحة حريق روث البقر و للروائح براح من الخلط و الاشتباكات في احلام مجوك ، يخلط رائحة الرغيف الخارج توا من الفرن و مذاق لبن يأتي بكل روائح المراح و من ثم تأتي تفاصيل المراح والتي قد تتحول الي المطاعم التي في الموردة و مع كل هذا الذي تتباهي به ذاكرة مجوك تدخل شخوص في احلامه ، تظهر و تتلاشي وتسرب معها التحريض علي اتخاذ موقف اخلاقي تجاهها ، تجاه شخوص احلام مجوك ، قد يلجأ الي ذاكرة محارب قديم فيقتل اعدائه الذين لاحظ مجوك حين تذكر لمحة من ذلك الحلم ، لاحظ انهم في تزايد مستمر ولاحظ ايضا ان الاعداء لا يموتون حتي في الاحلام وعادة ما يحاول مجوك ان يهرب من الاحلام التي تنبع من ذاكرة الحرب ولمجوك ايضا احلام جميلة فيها تفاصيل الطفولة والصبا وفيهاذلك العبور الاحتفالي الي مرحلة الرجولة ، فيها رائحة المنقا والباباي و لوتلصصت علي مجوك وهو يدخل نومته الصباحية حتما ستسمعه يغني و لو صبرت حتي يستغرق في النوم ستري احلامه وهي تلون وجهه بالتعابير المختلفة وكان الاحيمر يفعل ذلك ويتحفنا بحكاياته علي عامود النور ولمجوك احلام ضائعة تناوشه باستمرار منها ان يصبح ترزي علي برندات سوق جوبا و ان يلتقي

بماري الزانداوية في عتمة من عتمات فريق اطلع بره و لمجوك حلم صغير لكنه مرعب وهو ان يعرف هل امه يار ماتت ام لازالت تعيش وخاصة ان الحرب التي كان قد تركها وراءه حين سلم بندقيته واتجه الي مدينة جوبا ليعيش فيها بفكرة محارب من حقه ان يجني ثمار السلام ، تلك الحرب فقد توسعت الي درجة ان الاهالي توزعت بهم المعسكرات والغابات واللامعسكرات ولم يعد احد يعرف اين الاخر .

تفرقت شلة عامود النور ، كل في بيدائه واحيانا تلتقي الشلة في الاجازات، وحين عدت مرة في منتصف التسعينات في احدي عطلاتي من الاسكندرية حيث كنت ادرس هنا و كان لابد من المرور علي عامود النور، علي الاطلال ، فوجدت العامود و قدتغيرت شخوصه فقد شب جيل جديد متحلق حول عامود النور فسألتهم عن الاحمير فقالوا انه يأتي الي البيت عادة في ليل متأخر ، وتحركت مسافة من عامود النور و هي حتما مسافة اجيال وكنت مصرا علي مراقبة شباب عامود النور الجديد وعلي حضور عودة مجوك و حين ختم مؤذن جامع الحارة الرابعة آذان العشاء تيقنت ان هنالك خلل في مكان ما اذ ان مجوك لم يرجع من قيلولته ولم يختلط صوت صخبه المنتشي بالآذان .

قيل ان اللجنة الشعبية اشتبكت مع مجوك وذلك حين كانت اللجنة تراقب الافران وتستلم الرغيف لتوزعه علي المواطن بدفاتر وبطاقات وكان وقتها مجوك داخل الفرن ينتهي من اخر التفاصيل كي يقلب طاولته بالقرب من المزير ة وحين انتهي خرج من الفرن وهو يحمل مخدته الخشبية وكان اعضاء اللجنة الشعبية يتلقون حول طاولات الرغيف يحسبون عدد الارغفة ، انحني مجوك علي احدي الطاولات وتناول رغيفا و فجأءة صرخ فيه احد اعضاء اللجنة

رجع الرغيفة دي

نظر مجوك الي ذلك الصارخ من موقع المسئولية المتوهم ببرود و كأن الامر لا يهمه وقضم من الرغيفة بارتياح تام الامر الذي جعل عضو اللجنة الصارخ يندفع نحو مجوك بعنف ويريد ان يرجع الرغيفة من يد مجوك وحين اقترب عضو اللجنة المندفع نحو مجوك لم يتردد مجوك في ان يضرب عضو اللجنة علي رأسه بمخدته الخشبية التي تحطمت الي قطعتين بينما خر عضو اللجنة صريعا وحوله بقية الاعضاء بينما تناول مجوك القطعتين من مخدته المتحطمة وخرج وسط صيحات تطالبه بالتوقف ولكن مجوك لم يتوقف واتجه نحو المسح وهو يحمل في يده ما تبقي من مخدته الخشبية وحين بحثت عنهه الشرطة لم تجده .

هكذا حدثني الاحيمر عن تفاصيل غياب مجوك النهائي، هكذا حمل معه مخدته الخشبية ، قطعة في اليد اليمني و الاخري في اليسري و خرج من الفرن يمشي كسهم في اتجاه اللاعودة ، ولم ينس الاحمير ان يهمس في اذني

تعرف يا حافظ مجوك بكون رجع الغابة

و حاولنا في الليلة ان نترنم علي طريقة مجوك

كلام دي

ياهو حرقو ملكية فوقو

ولكنا كنا نحس بنوع من ذلك الغبن السياسي ونتسأل عن تلك الغابة التي رجع اليها مجوك اليست هي نفس الغابة التي نعيش فيها الان؟؟؟؟؟

وسوقني بعجله

نمـــشي كمــبو

نســــاهر الليل

0 التعليقات:

إرسال تعليق

{ ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}

حنين المهيرة © 2009. تعريب الـطالـب. Design by :Yanku Templates Sponsored by: Tutorial87 Commentcute